معنى التكفير في كلام سيدنا أحمد عليه السلام وخلفاءه
لا بد أن نفرق بين الإيمان والإسلام؛ وبين الكفر والكفر دون الكفر كما هو معروف في المصطلح الإسلامى!
ثم لا يخفى علينا أن الإيمان مدارج ومراتب؛ وأن كلمة المسلمين تطلق على جميع أنواع الصالحين والمنافقين والمذنبين والمتمردين!
نجد أن جبريل عليه السلام سأل نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم: مَا الْإِيمَانُ؟ فقَالَ صلى الله عليه وسلم: {الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَبِلِقَائِهِ وَرُسُلِهِ وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ}
(صحيح البخاري؛ كتاب الإيمان؛ باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم)
فهذه هي أركان الإيمان؛ أليست كذلك؟! ولكن نجد أن الإيمان لا ينحصر عليها؛ كما ورد في الحديث الشريف؛ يقول سيدنا خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم: {فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ}
(صحيح البخاري؛ كتاب الإيمان؛ باب حب الرسول)
فأفليس حب الرسول صلى الله عليه وسلم إيمان أو من الإيمان؟ فما هو فتواك فيمن لا يقوم به قلباً؛ ولساناً؛ وعملاً؟
ثم يقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: { لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ}
(صحيح البخاري؛ كتاب الإيمان؛ باب من الإيمان أن يحب لأخيه)
فأفليس حب المسلمين فيما بينهم إيمان أو من الإيمان؟ فما هو فتواك فيمن لا يقوم به قلباً؛ ولساناً؛ وعملاً؟
ثم يقول النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ! وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ! وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ! قِيلَ: وَمَنْ؟ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ }
(صحيح البخاري؛ كتاب الأدب؛ باب إثم من لا يأمن جاره بوائقه)
فهل من لا يأمن جاره بوايقه مؤمن؟ فما هو فتواك فيمن لا يقوم به قلباً؛ ولساناً؛ وعملاً؟
ثم يقول سيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم:{لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الْفَاحِشِ وَلَا الْبَذِيءِ }
(سنن الترمذي؛ كتاب البر والصلة عن رسول الله؛ باب ما جاء في اللعنة)
فهل الطعان واللعان والفاحش والبذيء مؤمن؟ فما هو فتواك فيمن لا يقوم به قلباً؛ ولساناً؛ وعملاً؟
وهناك أمثلة كثيرة في هذا الصدد في الأحاديث النبوية ولكن أكتفي بما قدمت!
وكذلك إذا نظرنا إلى أركان الإسلام فوجدنا أن جبريل عليه السلام يسأل رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم عنها: مَا الْإِسْلَامُ؟ فقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: { الْإِسْلَامُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ }
(صحيح البخاري؛ كتاب تفسير القرآن؛ إن الله عنده علم الساعة)
فهذه هي أركان الإسلام؛ أليست كذلك؟! ولكن نجد أن الإسلام لا ينحصر عليها؛ كما ورد في الحديث الشريف مثل: {الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ }
(صحيح البخاري؛ كتاب الإيمان؛ باب من سلم المسلمون)
وكما لا يخفى عليك أن الله عز وجل قال للمنافقين: { قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا } (الحجرات 15)
فهناك فرق كبير بين الإيمان والإيمان الكامل؟ والإيمان يزداد وينقص! وتعمق في آية: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا } (النساء 137) فلماذا يقول الله عز وجل للمؤمنين أن يؤمنوا؟!
وكذلك لا يغيب عنك كل ما ورد في الكفر دون الكفر نظراً إلى الأحاديث الشريفة:
{عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ }
(سنن الترمذي؛ كتاب الطهارة عن رسول الله؛ باب ما جاء في إتيان الحائض)
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ كَفَرَ جِهَارًا»
(المعجم الأوسط للطبراني؛ باب الجيم؛ من اسمه جعفر)
وهناك أمثلة كثيرة في هذا الصدد في الأحاديث النبوية ولكن أكتفي بما قدمت!
وهذا الفرق قد قدمه سيدنا أحمد عليه السلام قائلاً:
’’والكفر نوعان، الأول: أن ينكر أحدٌ الإسلامَ ولا يؤمن بالنبي كرسول من عند الله.
والنوع الثاني من الكفر هو ألا يؤمن بالمسيح الموعود مثلا، وأن يكذِّب -رغم إتمام الحجة- الذي أكد الله ورسوله على تصديقه، مع ورود التأكيد نفسه في كتب الأنبياء السابقين أيضا. فإنه كافر بسبب إنكاره أمر الله وأمر الرسول.‘‘ (حقيقة الوحي)
ونجد أن سيدنا أحمد عليه السلام يفرق بين المسلمين وغير المسلمين من النصارى واليهود والهنود وغيرهم؛ ولا يقول للمسلمين أنهم ليسوا بمسلمين! فهناك فرق شاسع بين المؤمنين العاديين والمؤمنين الأخيار الأطهار وبين المسلمين العاديين والمسلمين الحقيقيين وهذا الفرق قد يظهر في كلامي وكلامك! وبين موحد ومشرك! وبين الشرك الجلي والشرك الخفي!
ويقول سيدنا أحمد عليه السلام: إن عقيدتي منذ البداية أن من ينكر دعواي فلا يكون كافراً أو دجالاً فقط بإنكاره أياي۔ (ترياق القلوب)
ويقول: لا أسمي كافراً من ينطق بالشهادة ما لم يصبح كافراً بتكفيري وتكذيبي؛ فإن معاندي هم الذين دائماً يبتدرون إلى هذا الأمر فيكفرونني؛ فهم أصدروا فتوى ضدي؛ ولست أنا الذي جهزت الفتوى ضدهم؛ وقد يمكنهم أن يشهدوا أنني لو كنت مسلماً عند الله عز وجل فرجعت فتوى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم بتكفيري وهم أصبحوا كفاراً! فلا أسميهم كافرين بل تعود عليهم فتوى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتكفيري! ولقد اعترفت أمام السيد دوئى بأني لا أكفرهم؛ وفي الحقيقة هذه عقيدتي أني لا أكفر مسلماً! (ترياق القلوب جلد 15 ص434)
فخلاصة الكلام هناك فرق شاسع بين الكفر والكفر دون الكفر؛ فمن لا يؤمن بالله وملائكتة وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خير وشره ولكنه يترك الصلاة متعمداً فيكفر جزءا من الإسلام مع أن الصلاة ركن من أركان الإسلام وليس بركن من أركان الإيمان!
فكذلك من يؤمن بخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم ولكنه لا يؤمن بالمسيح والمهدي الذي بشرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرنا أن نسلم عليه ونؤمن به فيكفر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ والعياذ بالله!
نحن لا نكفر المسلمين؛ بل هم كفرونا؛ فتنطبق عليهم فتوى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه: {عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا}
(صحيح البخاري؛ كتاب الأدب؛ باب من كفر أخاه)
{قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ}
(صحيح مسلم؛ كتاب الإيمان؛ بيان حال إيمان)
نحن لا نقول للمسلمين غير المسلمين؛ بل نحن لا نقول أبداً أن فلاناً سيدخل الجنة أو فلان سيدخل الجحيم! والله نخاف الله مالك يوم الدين! فإذا سألتني: هل تدخل الجنة؟ قلت لك: لست أهلا؛ ولكن إذا رحمني ربي الكريم؛ فلست قانطاً من رحمته الواسعة! وربي هو: { الَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} (الشعراء 83)
وإذا سألتني: هل يمكن أن يدخل نصراني الجنة فقلت لك والله هو مالك يوم الدين! وهو ينظر إلى القلوب والنيات ويناله التقوى! { رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (آل عمران 148)